
معجزة يوشع عليه السلام
في خضم تلك الظروف الملبدة بالقلق والخوف من دخول يوم السبت، وفقد الانتصار، نظر يوشع عليه السلام إلى الشمس، وقال لها، إنك مأمورة وأنا مأمور، ثم دعا الله سبحانه وتعالى بقوله: «اللهم احبسها علينا » كي لا يدخل يوم السبت، وحتى يأتي النصر، فاستجاب الله تعالى له بمعجزة عظيمة لم تكن لنبي قبله، وأمر سبحانه وتعالى الشمس بالتوقف عن المسير الى حين انتهاء المعركة، فتوقفت، وبقي نهار الجمعة ثابتا، واستمر القتال بينه وبين القوم الجبارين، إلى أن نصره الله عليهم، ودخل بيت المقدس فاتحاً لها، ثم عادت الشمس الى حركتها الطبيعية.
وقد ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم ما حدث ليوشع عليه السلام فقال: (إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس).
ولما انتصر يوشع عليه السلام، وأراد أن يدخل الأرض المباركة التي كتبها الله لبني إسرائيل، أخبرهم أن الله تعالى فرض عليهم دخول تلك الأرض على هيئة مخصوصة، وهي أن يدخلوها ساجدين، شكرا له على هذه النعمة التي أنعهما عليهم بأن نجاهم من التيه، وكتب لهم النصر، وأن يقولوا (حطة)، -أي اللهم حط عنا خطايانا التي لحقت بهم جراء تقصيرهم في حق الله تعالى، واتباع أوامره، إذ جاء في الآية:{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ . وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}.
استهزاء وتكبر
وبالرغم من النصر الذي حققه بنو اسرائيل، الا انهم استهزأوا بأوامر وتوجيهات يوشع عليه السلام، وتكبروا على الله تعالى، وجحدوا أمره، مع كونهم قد رأوا قبلها بلحظات كيف نصرهم جل جلاله، وكيف أوقف الشمس عن الغروب ليتحقق النصر لهم، فدخلوا يزحفون على مؤخراتهم، ويقولون حنطة بدلا من حطة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة، فدخلوا يزحفون على أستاههم، فبدلوا وقالوا حبة في شعرة) فغضب الله عليهم من ذلك الصنع والتكبر، وأنزل عليهم عقابا ورجزا من السماء، فأصابهم الطاعون الذي قيل إنه قتل منهم في ساعة واحدة 70 ألفا.
وبعد هذا البلاء والعذاب الذي حل عليهم من الله، ايقن بنو إسرائيل عظم الخطأ الذي وقعوا فيه، فرجعوا اليه تعالى، واستغفروه عما بدر منهم، فرفع عنهم الرجز، وبقي يوشع عليه السلام فيهم، وظل حاكما عليهم حتى توفاه الله تعالى، وكانت وفاته بعد وفاة موسى عليه السلام بـ27 سنة، وكان عمره عليه السلام آنذاك 127 سنة.
نبوة إلياس عليه السلام
بعد وفاة يوشع عليه السلام، انفصلت النبوة عن الحكم، فصار الحكام يسيّرون أمور بني إسرائيل الدنيوية، والأنبياء يسيّرون «الدينية، وكانت النبوة في ذرية«لاوي» والرئاسة في ذرية «يهوذا».
استمر حال بني إسرائيل على ذلك، إلى أن بدأ الكفر يطغى عليهم، فكان من أوائل من أشرك بالله تعالى فرقة من بني إسرائيل في أرض لبنان، وتحديدا في المنطقة التي تسمى في هذه الأيام «بعلبك»، وهي مأخوذة من اسم صنم كانوا يعبدونه اسمه بعل، فأرسل الله تعالى لهم النبي إلياس، وهو من ذرية هارون عليه السلام.
وذكر الله تعالى ما كان من أمره مع قومه، فقال سبحانه:{وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ* أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ* اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ* فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ* إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِين* وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ* سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ* إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}، وبيَّن الله تعالى جزاء هؤلاء القوم بأنهم محضرون للعذاب في الدنيا أو يوم القيامة، واستثنى منهم الموحدين الذين سينجون من ذلك العذاب.
النبي اليسع عليه السلام
بعد أن يئس إلياس منهم، تركهم لينزل بهم عذاب الله، وهاجر عنهم، وقيل إنه مات وهو يدعوهم إلى عبادة الله تعالى، قبل ان يرسل الله تعالى إلى بني إسرائيل النبي اليسع بن عدي، المنحدر من ذرية يوسف عليه السلام، وقيل إنه من ذرية هارون عليه السلام، وإنه ابن عم إلياس عليه السلام، ولم يذكر لنا القرآن الكريم أو الآثار الصحيحة، أمر هذا النبي ولا أمره مع قومه سوى أنه من رسل الله تعالى، وأنه أرسل إلى بني إسرائيل، واكتفى الشارع الحكيم بذكر اسمه فقط لحكمة يعلمها الله تعالى الذي انزل في كتابه:{وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}، وقال في موضع آخر:{وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَار}.